بات الصيف عدوًا لدودًا للحكومات التي تعاني بلدانها أزمة في توليد الكهرباء، وأظهر صيف 2023 ما لم تتوقعه تلك الحكومات من درجات حرارة هي الأعلى منذ مئات السنين وفقًا لكبير علماء المناخ في وكالة “ناسا”، ليكشف عن خلل كبير في منظومة الكهرباء بعدد من البلدان.
الارتفاع الكبير في درجات الحرارة والذي وصل في بعض البلدان إلى 45 درجة، نتج عنه استهلاك المزيد من الوقود والغاز لتشغيل محطات الكهرباء، الأمر الذي عجزت بعض الدول العربية عن توفيره لأسباب مختلفة.
في التقرير التالي نستعرض لكم أبرز الدول التي عانت منظومة الكهرباء فيها من قصور خلال صيف 2023.
العراق
يعاني العراق أزمة حقيقية بسبب الكهرباء التي باتت صداعًا في رأس الحكومة، وللأزمة أبعادًا سياسية أكثر منها اقتصادية، تكمن في توقف إمداد العراق بالغاز من إيران بسبب تأخر سداد المستحقات.
الحقيقة أن العراق سدد كامل مستحقات الغاز الإيراني إلا أن العقوبات الأمريكية على إيران تحول دون وصول تلك المستحقات إليها، الأمر الذي نتج عنه قطع إمدادات الغاز عن العراق ودخول البلاد في موجة من الحر الشديد.
البلد الغني بالنفط يبحث عن بدائل لسد احتياجاته من الكهرباء منها استيراد الغاز من لبنان، وتنفيذ مشروعات الربط الكهربائي مع الدول العربية في الخليج ومصر والأردن، والسعي نحو تطوير خيارات الطاقة النظيفة لإنتاج الكهرباء.
هذا وينتج العراق نحو 26 ألف ميغاواط من الكهرباء، في حين أن حاجة البلاد تصل لقرابة 35 ألف ميغاواط، لتأمين الطاقة الكهربائية على مدار الساعة، وهو ما ينعكس عجزا عن توفير ساعات كهرباء كافية في فصلي الصيف والشتاء، حيث يرتفع الاستهلاك لأغراض التبريد والتدفئة، والتي تنخفض لبضع ساعات قليلة ومتقطعة.
مصر
ظن المصريون أن أزمة انقطاع الكهرباء تحولت إلى ذكرى لن تتكرر، وذلك بعدما شهدت البلاد استقرارًا في شبكة توزيع الكهرباء لعدد من السنوات، بفضل توسع الدولة في إنشاء المحطات والمحولات إلى أن أعلنت مصر عن تحقيق فائض في إنتاج الكهرباء بما يكفي للتصدير إلى الخارج.
وما لبث أن جاء صيف 2023 ليعكر على المصريين صفو تلك الإنجازات، وخرجت الحكومة بتصريحات صادمة لتعلن خطة تخفيف الأحمال بفصل التيار الكهربائي يوميًا بمعدل ساعتين في المتوسط، مع تجاوز تلك المدة في عدد من المناطق بالريف والصعيد.
وهنا كثرت التساؤلات عن سبب وجود أزمة في الكهرباء رغم إعلان الحكومة تحقيق اكتفاء ذاتي بل والاستعداد لتصدير الكهرباء إلى الخارج، ليأتي رد الحكومة بأن الأزمة في الغاز المُشغل لمحطات الكهرباء، وليس في قدرة المحطات على إنتاج كهرباء تغطي الاحتياجات.
ورغم التبريرات الحكومية للأزمة وسعيها للحل عبر حلول يتمحور معظمها حول “تخفيف الأحمال” وترشيد الاستهلاك، إلا أن المواطنين لا يزالون ينتقدون أداء الحكومة في إدارة الأزمة ويعتبرونها كاشفة لقدرة الشبكة القومية لتوزيع الكهرباء، خاصة بعد القرارات الأخيرة التي أعلنتها الحكومة بشأن تمديد خطة تخفيف الأحمال حتى سبتمبر المقبل.
الحكومة رهنت حل الأزمة بانخفاض درجات الحرارة خلال الأيام المقبلة، مع سعيها لاستيراد المازوت بما يساعد في التخفيف من وطأة الأزمة خلال شهري أغسطس وسبتمبر.
وتعمل وزارة البترول على توفير كميات من الوقود اللازمة لتوريد محطات التوليد والإنتاج الخاصة بوزارة الكهرباء، إذ يتطلب القضاء على انقطاع الكهرباء في مصر توفير نحو 135 مليون متر مكعب من الغاز يوميًا، و10 آلاف طن من المازوت.
وتوفر الإمدادات التي تصل لمحطات الكهرباء من وزارة البترول المصرية ما يكفي لإنتاج 32 ألف ميغاواط فقط، في وقت تجاوز فيه الاستهلاك المحلي حاجز الـ35 ألف ميغاواط، فضلًا عن التزامات خاصة بالتصدير إلى الأردن والسودان، ما أدى إلى التوسع في عمليات تخفيف الأحمال.
تونس
الوضع ليس أفضل حالًا في تونس التي تقترب درجات الحرارة فيها من الخمسين درجة مئوية، ما دفع تونسيين من أحياء شعبية، كثيرا ما تفتقر منازلهم للمكيفات، للنوم مساء في خيام على شواطئ قرطاج أو المرسى في الضاحية الشمالية للعاصمة.
يبدو أن آثار التغير المناخي قد ظهرت جليّة على الطقس في تونس، إذ شهدت درجات الحرارة ارتفاعًا حتى في شمال البلاد، بزيادة تتراوح بين ستّ وعشر درجات عن المعدل الموسمي، ما يتسبب في انقطاع الكهرباء ويدفع عائلات للنوم على الشواطئ.
تسببت درجات الحرارة غير المعتادة خلال شهر يوليو في قطع الشركة التونسية للكهرباء والغاز التيار في مناطق معينة في الأيام الأخيرة.
أبدى الكثير من التونسيين تذمرهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي من وطأة الحر التي تعصف بالبلاد وشبهوا تونس بـ “كانون” تدفئة.
وحاولت الحكومة التونسية الاعتماد على الطاقة المتجددة لسد هذا النقص وحل الأزمة، لكن الاضطرابات السياسية والأزمات الاقتصادية والمالية التي تشهدها البلاد حالت دون تنفيذ وإكمال هذه المشاريع.
لبنان
تتكالب الأزمات على لبنان، ذلك البلد المنقسم سياسيًا والذي يعاني من أزمة اقتصادية حادة، وفراغ في منصب رئيس الجمهورية منذ عام، لينضم إليه مؤخرا فراغ في منصب محافظ مصرف لبنان المركزي.
موجة من ارتفاع درجات الحرارة ضربت لبنان خلال الصيف الحالي، وتضاعفت معاناة اللبنانيين بسبب أزمة الكهرباء المنتشرة في البلاد، حيث تتراوح مدة ساعات التغذية عبر الشبكة الحكومية للكهرباء بين 4 إلى 6 ساعات يوميًا على أقصى تقدير، فيما يلجأ المواطن إلى تأمين ساعات إضافية عبر مولدات كهرباء خاصة أو مد وصلة باشتراك شهري من أحد أصحاب المولدات الخاصة بتكلفة كبيرة.
كما حذرت مصلحة الأرصاد اللبنانية من خطر اندلاع الحرائق في المناطق الشجرية والغابات ومن التعرض لأشعة الشمس المباشرة في ساعات الذروة، كما نصحت بالإكثار من شرب السوائل.
ولم يكن حال الأسر اللبنانية قبل نحو 4 سنوات كما هو اليوم، إذ كانت مؤسسة كهرباء لبنان تؤمن ساعات تغذية تتراوح ما بين 12 إلى 16 ساعة يوميا، فيما يلجأ المواطن للمولدات الخاصة لتغطية الفارق، وخصوصا أن تكلفة تشغيل المولدات آنذاك كانت بسيطة نظرا للدعم الكبير الذي كانت الحكومة تقدمه لأسعار المشتقات البترولية كافة.
لكن خلال الأعوام الأربعة الماضية، تقلّصت قدرات مؤسسات الدولة اللبنانية على تأمين الكهرباء عبر الشبكة الحكومية وخصوصا مع تفاقم الأزمة المالية والاقتصادية في البلاد، وتوقفت مؤسسة كهرباء لبنان عن تأمين الكهرباء باستثناء ساعة أو ساعتين يوميا بشكل غير منتظم على مدار اليوم، وذلك على أقصى تقدير.
وفي تصريح مثير للجدل حول أسباب انقطاع الكهرباء، قال وزير الطاقة والمياه اللبناني، وليد فياض، «لا تفاصيل لدي بل يجب سؤال مؤسسة كهرباء لبنان التي هي مؤسسة مستقلة، أعرف أن هناك بعض الأعطال التي طرأت أخيرا بسبب الضغط على الشبكة، وقد تمت معالجتها، ومن المفترض أن يتحسن الوضع لتعود التغذية إلى مستواها السابق».