تهدد التوترات الجيوسياسية واستمرار الاضطرابات في الشرق الأوسط مع مواصلة حركة الحوثي اليمنية مهاجمة ناقلات النفط في منطقة البحر الأحمر، الاقتصاد العراقي الذي يعتمد على النفط في عملية تمويل النفقات العامة، في وقت تحوّل العراق الى بيئة طاردة للاستثمار رغم الحاجة الماسة إليه لتحريك العجلة الاقتصادية جراء التصعيد بين الفصائل المسلحة والولايات المتحدة الأميركية وإيران داخل البلاد، وفق مختصين.
وكان وزير النفط العراقي، حيان عبدالغني، قد صرح بأن صادرات العراق من النفط، لم تتأثر بالهجمات الأخيرة على سفن في البحر الأحمر.
وذكر عبدالغني في تصريحات على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس نقلتها وكالة رويترز، أن نحو 90 بالمئة من صادرات العراق النفطية تذهب إلى آسيا وبالتالي لا تحتاج إلى المرور عبر البحر الأحمر.
وتجاوزت حجم الإيرادات العراقية في الموازنة الاتحادية خلال 11 شهراً 121 تريليون دينار، بحسب ما كشفته وزارة المالية أول أمس الأربعاء، مؤكدة ارتفاع مساهمة النفط في الموازنة إلى 93%.
وتابعت عراق 24 البيانات والجداول التي أصدرتها وزارة المالية في كانون الثاني/ يناير الجاري، لحسابات 11 أشهر للسنة المالية الماضية والتي بيّنت أن النفط ما يزال يشكل المورد الرئيسي لموازنة العراق العامة حيث بلغ 93%، مما يشير إلى أن الاقتصاد الريعي هو الأساس في موازنة البلاد العامة.
التدفقات مستمرة
يتركز الميزان التجاري النفطي للعراق بالأساس مع دول آسيا وبنسبة تزيد على 75% من صادرات البلاد النفطية، ومازالت خطوط التصدير للعراق وعموم دول منطقة الخليج التي ترتبط تجارتها النفطية مع آسيا وبنسبة 90% من صادراتها النفطية مستقرة التدفق إلى منطقة شرق وجنوب آسيا، وفق المستشار المالي لرئيس الوزراء العراقي، مظهر محمد صالح.
ويضيف صالح، أن “تلك التدفقات تقابلها في الوقت نفسه تدفقات استيرادية مازالت مستقرة هي الأخرى أيضاً حتى اللحظة، وهي تدفقات تجارية تعد بالغالب خارج مناطق التهديد البحرية الحالية العالية الخطورة”.
ويتابع، “إلا إن ذلك لا يمنع من التأثر النسبي في تقلب تكاليف التأمين والشحن البحري التي شهدت ارتفاعات قياسية مباشرة وغير مباشرة ارتبطت بالتوترات الأمنية الحاصلة في باب المندب بسبب الحرب على غزة”.
ويوضح، “علماً أن العراق يتمتع بمرونة تجارية عالية لكونه محاط بمجموعة إقليمية واسعة الاطلالات على مناطق التواصل التجاري البحري المتنوع مع دول الجوار”.
ويكمل، “وأن مخزونات البلاد الضرورية من المواد الغذائية والسلع الضرورية والمعمرة هي في وضع مثالي مطمئن في بلادنا، وإن إمكانيات البلاد في تمويل التجارة الخارجية تغطي قرابة 15 شهراً استيرادياً، ما يعبر عن قوة وكفاءة الاحتياطيات الأجنبية للعراق، وهو مرتكز التحوط الاستراتيجي الذي يعزز مكانة بلادنا من أية مخاطر تجارية محتملة بسبب أوضاع الجغرافية السياسية واحتمالاتها”.
وأجبرت هجمات الحوثيين في اليمن على سفن في البحر الأحمر العديد من الشركات على تحويل مسار الإبحار بعيداً عن البحر الأحمر والمرور عبر طريق رأس الرجاء الصالح حول أفريقيا مما زاد من وقت الرحلات وتكاليفها.
وتستهدف الهجمات التي يشنها الحوثيون، والتي يقولون إنها دعماً للفلسطينيين، طريقاً يمثل نحو 15 في المئة من حركة الشحن العالمية ويعمل كقناة حيوية بين أوروبا وآسيا.
نقص العوائد الدولارية من النفط
يؤثر تصدير النفط عبر السفن على الاقتصاد العراقي كونه يعتمد على النفط في عملية تمويل النفقات العامة للحكومة، بحسب الباحث الاقتصادي، علي عبدالكاظم، وينوّه إلى أنه في حال ساءت أو صعبت عملية نقل النفط عبر السفن سوف يؤثر ذلك على الصادرات النفطية بالسلب، ما يؤدي إلى حصول نقص بالعوائد الدولارية من النفط، وسينعكس ذلك على الموازنة العامة ويرتفع عجزها أكثر”.
ويشير عبدالكاظم إلى أن “أكثر دولتين تستوردان النفط العراقي هما الصين والهند، لذلك سوف تتأثر العوائد النفطية وحينها لن تستطيع الحكومة العراقية من سداد نفقات الموازنة”.
وعن حادثة احتجاز إيران سفينة تجارية ترفع علم تنزانيا داخل المياه العراقية، يوضح أن “هذه الحوادث تؤثر على الاقتصاد العراقي حيث كانت هذه الناقلة تحمل النفط من البصرة”.
ويؤكد على ضرورة أن “تتدخل إيران لحل هذه الأزمة الحالية، حيث إن العراق هو أفضل سوق لتصريف منتجاتها، وأن استمرار الاضطرابات سوف يضر بقطاعها الاقتصادي، خاصة في حال تحوّل القطاع الخاص العراقي والتجار إلى دول أخرى للاستيراد منها”.
بيئة طاردة للاستثمار
من جهته، يقول الباحث الاقتصادي، عمر الحلبوسي، إن “الوضع الأمني الذي يشهده العراق من تصعيد بين الفصائل المسلحة والولايات المتحدة الأميركية وإيران داخل العراق، يؤثر سلباً على الاقتصاد ويحوله الى بيئة نافرة لرؤوس الأموال الأجنبية وحتى الوطنية”.
ويوضح الحلبوسي، أن “جذب الاستثمار يتطلب وجود استقرار أمني، لكن هذا التصعيد يؤدي إلى تريث المستثمرين بالدخول إلى العراق أو العزوف بشكل نهائي عن الاستثمار في وقت البلاد بحاجة ماسة لجذب المستثمرين الأجانب لتحريك العجلة الاقتصادية”.
ويتابع، أن “التصعيد الأمني بين الفصائل وأميريكا وإيران يأتي بالتزامن مع معرض بغداد الدولي الذي شهد حضوراً دولياً مهماً، وهو تصعيد مقصود كرسالة للمشاركين في المعرض من الشركات العالمية بعدم القدوم والاستثمار في العراق”.
ويضيف، “خصوصاً وأن المعرض كان الأفضل من بين دوراته السابقة من حيث التنظيم والمشاركة الدولية وحضور الجماهيري، لكن هناك دولاً ترغب بأن يبقى العراق سوقاً لتصريف بضائعها وعدم تحريك عجلة الاستثمار فيه”.
وينوّه إلى أن “هذه الهجمات تكبد العراق خسائر اقتصادية كبيرة جرّاء ضياع فرصاً استثمارية حالية ومستقبلية، إذ أن عملية جذب الاستثمارات معقدة وصعبة في ظل وضع أمني غير مستقر، وهو ما يجعل العراق يفقد أهم عنصر اقتصادي هو بحاجة له”